عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح للسبكي(2/ 243)
الإيهام، وهو أن يطلق لفظ له معنيان: قريب، وبعيد، ويراد البعيد، والمراد بقولنا
قريب، وبعيد، قريب الفهم وبعيده، فإن المعنى نفسه لا يوصف ببعد ولا قرب والمراد بالمعنيين أكثر من معنى، واعلم أن قولهم: لفظ له معنيان يراد البعيد، يتأتى بأن يكون اللفظ له حقيقة ومجاز، فيراد مجازه، وإن كان غير راجح، أو حقيقته المرجوحة إن كان مجازه راجحا، أو يكون مشتركا، ويغلب استعماله فى أحدهما، بحيث يصير الذهن يتبادر إليه دون الآخر، ثم قسم المصنف التورية إلى قسمين: مجردة، ومرشحة، فالمجردة هى التى لا تجامع شيئا مما يلائم القريب المورى به، ومثله بقوله تعالى:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فإن معناه القريب المورى به ما يقتضيه ظاهر لفظ” استوى” ومعناه البعيد المراد المورى عنه القدرة والملك. كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن لفظ” على” يلائم المعنى القريب المورى به عن المراد، فإن على حقيقتها الاستعلاء الحسى الذى ليس بمراد، والمرشحة هى التى قرنت بما يلائم المورى به، إما قبله أو بعده، ومثله بقوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أى بقوة. كذا قال المصنف، وشرحوه على أن المراد أن بأيد تورية مرشحة بما يلائمها، وهو البناء، والظاهر أن المراد أن بأيد جمع يد بمعنى القوة، فيكون أريد بالأيدى” القوى”، وهو معناها المراد البعيد، ومعناها القريب غير المراد” الجارحة” قلت: وفيه نظر، لأن قوله تعالى: بِأَيْدٍ له معنيان:” القوة” فيكون مفردا وجمع” يد” وهما معنيان مستويان، ليس أحدهما قريبا والآخر بعيدا، وكل
منهما صالح لأن يراد، فإن البناء يكون بالأيد الذى هو” القوة” وبالأيدى التى هى جمع” يد” ثم لو كان أحدهما قريبا، فهذه ليست كلمة واحدة لها معنيان، بل كلمتان، فإن الأيد كلمة غير الأيدى، فتقرر أن التورية ليست باعتبار الأيد والأيدى بل باعتبار إطلاق الأيدى وإرادة القوى، فإن أراد المصنف بذكره” القوة” أن” الأيد” فى الآية مفردة فلا مجاز فيه، لأن القوة مرادة الحقيقة فى الآية، ولا تورية لعدم قرب أحد المعنيين من جهة وضع اللفظ، وإن أراد جمع” يد” بمعنى القوة، كما فهموه عنه، صح أنها تورية مرشحة واستعارة مرشحة، لكن لا نسلم أن المراد بقوله تعالى: بِأَيْدٍ ذلك، بل المراد” القوة” وإذا كان الأيد القوة، فما الضرورة إلى تأويل بأيد على الأيدى المتجوز بها عن القوة، وقد جزم الزمخشرى، وغيره: بأن المراد فى الآية” الأيد المفرد” وهو” القوة”؟
واعلم أن التورية المرشحة، هى نوع من الاستعارة المرشحة فى الأصل، والتورية المجردة يدخل فيها
الاستعارتان: المجردة والمطلقة، والفرق بين الاستعارة المرشحة والتورية المرشحة، هو أن مع الاستعارة قرينة تصرف اللفظ لها وتجعل المعنى البعيد قريبا، والتورية ليست كذلك، والغالب عليها الترشيح بما يبعد إرادة المجاز، ولذلك سميت تورية وإيهاما
الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم لإبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (2/ 398)
وجعل الآيتين من التورية على تفسير أهل الظاهر من المفسرين، وأهل التحقيق منهم بجعل الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى مجازا متفرعا عن الكناية، وقوله: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ تمثيلا وتفصيله في الكشاف موافقا لدلائل الإعجاز، فلا نقل في مفرداته عن معناها مثلا إلى معنى آخر فضلا عن النقل إلى بعيد، لكن لا ضنة في الأمثلة.
Filed under: General